*في ذاك الصباح المشرق .. والأجواء الربيعية المنعشة ..وبعيون مثقلة بالسهر ..وخطوات كسلى.. تجوب خلال تلك الطوابير الكثيرة والمتراصة من الطالبات .. كان الميكرفون يصدح بالإذاعة المدرسية المعتادة بدأ من تسجيل لقراءة القرأن ثم ينتقل برتابة من مواضيع الطالبات ..إلى أنشودة مسجلة و تختم بإعلان إداري يمتليء عادة بالوعيد والتهديد ..بعظائم الأمور ..إذا خالفن المادة المذكورة ..أو الفقرة الوارد ذكرها ..!
وبعد أن تحركت الطوابير فوجئت بمجموعة من الطالبات يستأذن لمحادثتي .. قلت خير إن شاء الله تفضلن ..تقدمت واحدة منهن ..وقالت : معلمتنا العزيزة سنكلمك بكل صراحة .. لقد مللنا من هذه الإذاعة
الإجبارية التي لا نسمع منها غير ..قال الله و قال الرسول ..!
صدمت للحظات ..لم استطع التحدث ..اعتلتني دهشة ممزوجة بغضب ..! قلت : لقد كنت اتوسم بكن الخير الكثير ,أيعقل أن تفكرن هكذا ..! هذا ما يجب أن يكون , تعزيز الجانب الديني هو من أولويات
اهدافنا هنا , أجبن : نعم ..ولكن ..قاطعتهن : هذا تأثير الفضائيات..وصرفتهن سريعا" معبرة عن خيبة أملي بهن ..
ولكني وبعد وهلة .. ادركت أين الخلل , إنه القالب .. كما القلب ....! ..ليست المسألة مجرد تلقين و
إلقاء ولكن أن نصيغ ما نريده بإسلوب مشوق وشكل مقرب ..نمرر و نغرس ما نريده من مباديء وقيم من خلال أشكال مغرية ..و قوالب مشهية ..
وبدأت العمل , ذهبت إلى مشرفة الإذاعة طالبة الإنضمام إليها ..ولكن قوبلت بالرفض لأن من تشرف يجب أن تكون معلمة دين مع عربي فقط ..!! وتخصصي طبعا" لا يشملهما ..!
اعترضت : كيف ؟ قالت أنت منقولة حديثا" لا تعرفين جيدا" النظام والفرق ما بين مدرسة في قرية نائية وهنا في مدينة متحضرة ..وهو قرار المرشدة الطلابية ( المديرة الفعلية في مدرستنا )..!!
لم أهتم ..واتفقت وديا" معها أن أريحها يومين فقط بالإسبوع ..و وافقت ( وكأنها ما صدقت )!
اخترت مجموعة جديدة من الطالبات , وطلبت منهن كتابة ما يعتمر في صدورهن من آراء, ألغيت الشريط بكافة أنواعه ,و خصصت الطالبات الاتي يتميزن بالأصوات الجميلة .. والقراءة الجيدة للقرآن ..والإنشاد ...ولأننا عندما نجتاز أسوار المدرسة كأننا انتقلنا إلى كوكب المريخ ...!فقد ربطت جميع المواضيع بواقعنا الذي نعيشه و حال الأمة الإسلامية والأحداث الجارية جعلت الحوار ..والمشهد التمثيلي القصير ..جسرا" للعبور ..إلى ما أريد..
وبعد مدة ..بدأت أشعر بتغير الطالبات وتجمعهن لدي وطلبهن الإشتراك بالمواضيع أو بالإلقاء..
حتى أنهن كن ينتظرنني كل صباح ..و كنت استمع ,أصحح, وأتابع إلقائهن .. وأنا اطوي عبائتي ..
طبعا" .. لم يعجب ذلك المرشدة ( مديرتنا الفعلية ) .. وبدأت الحرب الباردة .. والإتهامات الجاهزة .. لكل من يخالفنا الرأي .. حتى وإن كنا نعمل لهدف و مصلحة واحدة ..
و ظهرت النتيجة ..الإبعاد التام ..والنفي العام والعاجل من ....الإذاعة ... ! e*
----------------------------------------------
إذا أنا لم أعطي للمكارم حقها .... فلا عزني خال و لا ضمني أبا ...
*تتهادى الكلمات ساحرة .. وتتوالى الأصوات مغردة ..بالشعر ..وهل هناك أجمل من الشعر و الشعراء ..؟
يا من يحاول بالأماني رتبتي ... كم بين مستغل وآخر راقي
أأبيت سهران الدجى وتبيته ...نوما" وتبغي بعد ذاك لحاقي ..!
وأنصت ..مستمتعة لما يلقى و ما يقال ..في مسابقة ( المحاورة الشعرية ) التي جمعت عدد من المدارس في مدرستنا,.شاركت خلالها بالتقديم ..
وأنا استمع , عدت لما أكثر من شهر وعند اختيار الطالبات .. تذكرت تلك الطالبة التي تميزت عند الإلقاء والتي استبعدت من قبل المرشدة الطلابية ( مديرتنا الفعلية ..!) لا لشيء سوى أن شعرها قصير جدا" وهذا تشبه بالرجال .. والكافرات ..!
لا أدري كيف يكون التهميش لا الإرشاد واللين هو الحل الذي يسلكه البعض لمعالجة الأخطاء ..!
بالطبع ....هذه الطالبة تفوقت في مجموعتي الإذاعية ..
وافقت من خيالي إلى حيث الخيال ..
سل الرماح العوالي عن معالينا ... وسائل البيض هل خاب الرجا فينا ..
بيض صنائعنا , سود وقائعنا .. خضر مرابعنا , حمر مواضينا ..
واحتدمت المنافسة بين مدرستنا وأخرى زائرة ... ولم نفز .. :f:
ولكن كان التميز بالنطق السليم , واللحن الجميل , والقوة العالية في معاني الشعر ..هذا عدا الثقة ,
والثبات في الشخصية ..للمدرسة الفائزة والتي استحقت المركز الأول بجدارة ..
تلك الجدارة التي رأيتها عندما توجهت إليهن بالتهنئة و السؤال ..كيف ..؟ وأشرن الطالبات إلى معلمتهن بكل حب و تقدير ورأيت كتاب يحوي مائة بيت شعر ..قامت المعلمة بالتشكيل بيدها ..هذا عدا الأوراق التي اعدتها لطالباتها .. وشرعن يتحدثن عن جهودها الفردية في تدريبهن واستغلال كل وقت فراغ لديهن ..مع كثرة الإطراء و جميل الشكر ..
ادركت بأنه لا يكفي أن ننجز العمل بل أن نتقنه ..
الإخلاص و الجدارة..ذاك هو المطلب للتفوق و التميز ..وعلى أساس الجدارة يتم الإختيار ..
يقول ( لايل م سبنسر ) عن الجدارة " هي خاصية ضمنية للشخص , لها علاقة سببية بأداء متفوق فعال ..كل إنسان يمتلك جدارات معينة تتضح إذا شبهنا شخصية الإنسان بالجبل الجليدي ,
فالجبل الجليدي فيه جزء ظاهر و آخر مغمور كامن , سمات الفرد الظاهرة كالجزء الظاهر من الجبل نتعامل معها بيسر و يمكننا أن نلمس تغيرها بسهولة والتأثير عليها و نلاحظ مدى تطورها , وتتمثل في الجدارات
الظاهرة ..مثل المعلومات و المهارات كالمؤهل والخبرة التخصصية و غيره ..
أما سمات الفرد الكامنة ( كالجزء المغمور من الجبل غير ظاهرة للآخرين , يصعب اكتشافها والتأثير فيها
وتتمثل في الجدارات الكامنة .. كالدوافع مثل ( الإنجاز و الإندماج , والسلطة )
والصفات مثل ( زمن الاستجابة و رباطة الجأش , و بعد النظر )
و المفاهيم الذاتية مثل ( الثقة بالنفس , و التحكم بالذات ) وغيرها كثير ..
-------------------------------------------------
* أتت وهي تشتعل غضبا" و احمرارا" .... قالت : اتذكرين عندما سألتك عن فلان الفلاني الذي رأيت اسمه مكتوب لأكثر من مرة خلف دفتر إحدى الطالبات ..ومعه أشعار حب ..! قلت : نعم ..و أخبرتك أنه مطرب ليس مشهور جدا" ..ولكنه وسيم جدا" ..!
قالت دخلت الفصل وأوقفت الطالبة وبدأت أنصحها قلت لها: أتعرفين أن هؤلاء الفنانين من أراذل الناس ..وأكثرهم انحطاطا" ..وإن الرذيلة و الفسق هو ما يميز عالمهم ... لذا الواجب الإبتعاد عن مثل هؤلاء..
أجابت صديقتها بصوت خافت : ولكنها تحبه يا أبلة!
قلت : ألا تدرين أن الإنسان يحشر يوم القيامة مع من أحب هل تريدين أن تحشري يوم العرض مع فاسق مثله ؟
وبعد تنهيدة حارة و بصوت حالم قالت : يا ليت يا أبلة ...!!
*أوجاع ............... حوارية ..
قالت : ماذا فعلت بالأمس ؟
قلت : لا شيء فقط أقمت حفلة بسيطة جدا" لوداع طالبات المرحلة النهائية ..
قالت : ولكنك تعلمين أن ذلك ممنوع !
قلت : ليس هناك تعميم أو نظام من الوزارة بهذا الشأن ! إنه نظام بالي من المرشدة الطلابية
( مديرتنا الفعلية ) لما لا نكون أكثر مرونة بشأن التعامل الإنساني ,,مع عدم المساس بالنظام
قالت : ولكن كيف أقمتها ؟
قلت : اتفقت مع معلمات تلك المرحلة ..واستطعت بالمدح وطرق أخرى..! أخذ مفتاح القاعة من المديرة
قالت : يعني امدحها واسرق عباتها ..!
قلت : بالضبط .. تعرفين .. بت اتبع هنا سياسة الأمر الواقع وأنا اعتقد أن ....
قالت مقاطعة : حسنا"..حسنا" الآن المديرة تطلبك ..
قلت :أي منهما ؟
قالت : كلتاهما ..
:fr:
*ومضة...
يا مكثر التهويل ..وخائف العقبات ..... طريق الألف ميل في بادئه خطوات ..
مع أجمل تحياتي ..
عزوف
